يسوع يظهر لتلاميذه ويُرسلُهم
16 أمّا التّلاميذُ الأحَدَ عَشَرَ فذهبوا إلى الجليل، إلى الجبلِ حيثُ أمَرَهم يسوع.
17 ولمّا رأوهُ سجدوا لهُ، برغمِ أنّهم شكُّوا.
18 فدنا يسوعُ وكلّمهم قائلاً: "لقدْ أُعطيتُ كلّ سلطانٍ في السّماءِ وعلى الأرض.
19 إذهبوا إذًا فتلمذوا كلَّ الأمم، وعمّدوهم باسمِ الآبِ والابنِ والرّوحِ القدُس،
20 وعلّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلَّ الأيّامِ إلى نهايةِ العالم".
متى 28: 16-20
تأمّلتخصّص
الكنيسة هذا الأحد للثالوث الأقدس. وذلك قصدًا منها إبراز أمر هام ألا وهو
أنّ التدبير الخلاصي، هو عمل الأقانيم مجتمة. كلٌّ حسب دوره: الآب خلق،
الابن افتدى، الروح القدس قدّس.
أمّا هذا النصّ أو التّرائي يتميّز عن
غيره من الترائيات. بإظهار "السلطان" الذي أُولِي للربّ يسوع (آ18) "فدَنا
يسوع وكلّمهم قائلاً: "إنّي أوليت كلّ سلطان في السماء والأرض"." وذلك بعد
تألّمه وموته وقيامته. يرى شرّاح الكتاب المقدّس أنّ يسوع الذي رفض السلطان
الكاذب على ممالك الأرض من الشيطان، قد قبله من الله مصدر كلّ سلطان.
وهذا
ما نراه واضحًا إنْ من خلال "السجود" الذي قدّمه التلاميذ حال روئيتهم
للربّ، والذي ينعدم وجوده في الترائيات السابقة. وإنْ من خلال كلام الربّ
وفعل "الإرسال". فهذا الفعل يؤكّد ويوضح أنّ الربّ أولي السلطان. وأنّ هذا
السلطان هو سلطان الله ذاته. إذ إنّ الله الآب أرسل ابنه لخلاصنا، والابن
بدوره يرسل تلاميذه لمواصلة رسالته الخلاصيّة، بتلمذة جميع الأمم، تعميدهم
وتعليمهم.
إذا نستشفّ من النص دور الرسل والتلاميذ والكنيسة:
- الكرازة والتعليم, خدمة كلمة الإنجيل.
- التقديس، خدمة نعمة الأسرار.
- التدبير، خدمة المحبّة.
أمّا من ناحية المؤمن وواجبته نستنتج:
أنّه يجب علينا لكي ننال الخلاص والاشتراك في تحقيق تدبير الله الخلاصي أن:
- نتتلمذ
للربّ: "... تلمذوا جميع الأمم..." فعلى التلاميذ والكنيسة أن يكرزوا
ويعلّموا، وعلينا أن نتتلمذ، ولكن لدينا مطلق الحريّة في قبول أو رفض
التتلمذ.
فالتلميذ هو كلّ مؤمن بأنّ "يسوع هو المسيح ابن الله الحيّ"
فبدون هذا الإيمان لا يمكننا أن نتتلمذ. إذ إنّ التلميذ عليه أن يتبع
معلّمه تلبية للدعوة التي وجّهت إليه.
فالدعوة شاملة ولكنّها متطلّبة
جدًّا ذات شروط، وعلى التلميذ أن يحترمها ويعيشها. فالربّ يدعونا كلّ يوم
لاتّباعه. وهذه الدعوة ليست حكرًا على أحد هي شاملة "تلمذوا كلّ الأمم".
فعلى
التلميذ أيضًا أن يشارك المعلّم المصير نفسه: "ما كان الخادم أعظم من
سيّده ولا التلميذ أفضل من معلّمه". هذا ما يقوله لنا الرب في إنجيله. فعلى
التلميذ أن يحمل صليبه، ويشرب الكأس وينال الملكوت. ويقول لنا الربّ أيضًا
أنّ من ثبت في كلام الربّ كان تلميذه، وأنّ حبّ التلاميذ لبعضهم لهو علامة
واضحة على أنّهم تلاميذ الربّ.
بالتالي علينا، لكي نتتلمذ، أن نؤمن بالمعلّم، نتبعه تاركين كلّ شيء، نشاركه مصيره نفسه.
- أن نعتمد:
وما المعمودية التي تكلم عنها الرب في هذا النص إلا نتيجة لهذا التتلمذ.
إذ لا يمكننا ان ننال المعمودية، إن لم نؤمن ونتتلمذ للرب، أي نعرف
ونعاينه. فهذه المعمودية هي معموديّة التوبة لمغفرة الخطاياي. كلّنا قد
نلنا سرّ العماد بعد ولادتنا بأشهر. ولكن هذا لا يكفي، علينا أن نعيش فعل
توبة دائم يمتدّ على طول حياتنا، إذ إنّ التوبة هي مسيرة حياة مع الربّ
ونحو الربّ وذلك من خلال سرّ الاعتراف. والعمل الصادق والجادّ للحفاظ على
نقاوة القلب.
أمّا النقطة الأخيرة ألا وهي، حفظ وصايا الربّ؛ وهذا الحفظ
هو من حبّ الربّ هذا ما يقوله لنا الربّ: "من أحبّنب حفظ وصاياي...".
وأعظمهنّ المحبة. نجد في يوحنا 13/35 قول الربّ: "إذا أحبّ بعضكم بعضًا عرف
الناس جميعًا أنّكم تلاميذي".
إذًا يا إخوتي، علينا أن نتتلمذ
بالانفتاح على نعمة وكلمة الله، أن نعمل بموجب كلام المعلّم الأوحد وعلى
مثاله، لا كما يحلو لنا، أي أن نتخلّى عن إرادتنا الذاتيّة، أن نتوب إلى
الله، مفتّشين عن إرادته القدوسة، وأن نحفظها في قلوبنا لأنّها غذاؤُنا
الأوحد كما كانت غذاء معلمنا "طعامي أن أعمل بمشيئتك يا ألله".