Sunday, February 26, 2012

شفاء الأبرص


35 وقامَ قبلَ طلوع الفجرِ، فخرجَ وذهبَ إلى مكانٍ قفر، وأخذَ يُصلّي هناك.
36 ولَحِقَ به سمعانُ والذّين معهُ،
37 ووجدوهُ فقالوا لهُ: "ألجميعُ يطلبونَكَ".
38 فقال لهم: "لنذَهبْ إلى مكانٍ آخر، إلى القُرى المُجاورة، لأكرزَ هُناك أيضًا، فإنّي لهذا خرَجْتُ".
39 وسارَ في كلّ الجليل، وهو يكرزُ في مجامعهم ويطردُ الشّياطين.
40
 وأتاهُ أبرصُ يتوسَّل إليه، فجثَا وقال لهُ: "إن شئتَ فأنتَ قادرٌ أن تُطهِّرَني!".
41 فتحنَّنَ يسوع ومدَّ يدهُ ولَمسَهُ وقال له: "قد شئتُ، فاطهُر!".
42 وفي الحال زالَ عنهُ البَرص، فطَهُرَ.
43 فانتهرَهُ يسوع وصرفَهُ حالاً،


مر 1: 35-43



تأمّل


البرص مرض رهيب، بالغ الأقدمون في الإحتياط ضدّ العدوى منه، حتّى ٱتّخذ طابعًا دينيًا، إذ ٱعتُبر مرضًا مُنجَّسًا للإنسان يَنبذه عن الجماعة المؤمنة. ولكي يستعيد الأبرص مكانه في شعب الله المقدّس، إذا عاد فطهر من برصه، كان عليه أن يؤكّد للنّاس شفاءه، بتتميم بعض الفرائض الدّينيّة الرّسميّة، أمام الكاهن كما أمر موسى. وما سجود الأبرص أمام يسوع إلّا ٱعترافًا بالكاهن الأزلي يسوع المسيح القادر على الشّفاء مؤمنًا بما قال: "إن شئت فأنت قادرٌ أن تطهّرني".أي يطلب إرادة الرّبّ وقدرته. فكانت الأعجوبة تعبيرًا عن عظم محبّة يسوع للإنسان المنبوذ بعيدًا عن مجتمعه، ساكبًا عليه حنان الله اللّامتناهي يداويه برفق، ويكسر القيود الّتي كانت تفصل الإنسان عن أخيه الإنسان.
الأعجوبة تمّت، والأبرص يشهد علانية بأعلى صوته ويُذيع الخبر. يا لها من فرحةٍ بعودة حيًّا ميتًا مُهشَّمًا، مجروح الخاطر، إلى داره وأحبابه. هٰذه الفرحة يختبرها كلُّ مؤمنٍ مسيحيٍّ بعد سرّ التّوبة. وزمن الصّوم زمن التّوبة والغفران، الصّفح والرّضوان. والأهمّ من الأعجوبة، قدوة يسوع المصلّي فجرًا.
فالفجر يرمز إلى يومٍ جديدٍ بمعنى التّجديد، لأنّ الرّوتين اليومي يقتل. ويؤكّد أيضًا على فجر أحد القيامة أي الإنتصار على الموت. وهٰذا هو مشروع الحياة المسيحيّة. فلا ٱنتصار بدون سلاح، وسلاح المسيحيّ ٱثنين لا ثالث لهما: ركبتاه ومسبحته. من هنا نفهم لماذا كان القدّيس شربل يوميًّا يركع ستّ ساعات على طبق القصب يصلّي، وإذا تأمّلنا صورة القدّيس نعمة الله الحرديني نراه راكعًا، وصورة القدّيسة رفقا تحمل الإنجيل والمسبحة. وإذا عدنا إلى الماضي القريب مع الأجداد نتوقف عند الصّورة الأولى وهي: ٱجتماع العائلة مساءً حول مذبحٍ صغيرٍ عليه صورة العذراء مريم تصلّي المسبحة وتُنشد زياح يا أمّ الله. لذا كانت أيّام خير وبركة. بالله عليكم لنعد إليها أرجوكم. فالصّلاة هي الحصن المنيع تحمي المؤمن من كلّ أذى وتجربة: "صلّوا ولا تملّوا لئلّا تدخلوا في تجربة"
الإنسان المصلّي يطلبه الجميع. وهو للجميع. لذٰلك لم يحصر يسوع عمله في كفرناحوم بل إلى القرى المجاورة: "فإنّي لهٰذا خرجت". يُشير إلى مجيئه من لدن الآب ليُبشر بملكوته، إلى كلّ إنسان، مُنطلقًا من المجامع، وطرد الشّياطين والأرواح النّجسة كمن له سلطان، وصولًا إلى إعادة كرامة الإنسان عبر مفعول فوري ظاهر (تمّ الشّفاء فورًا) من جهة، وخفي من جهة ثانية (تنبيه من قبل يسوع إلى الأبرص كي لا يتكلّم عمّا جرى معه). والغاية أنّ يسوع يكشف هو ذاته عن هويّته ولا يدع آخرين يكشفون عن ذٰلك، خوفًا من سوء فهم لهٰذه الهويّة، كأن يفهم البعض أنّه مخلصًّا سياسيًّا أو ٱجتماعيًّا أو ماديًّا. سوف يكشف عن ذاته بطريقة تصاعديّة كما يحلو له لئلّا يُفهم بشكل خاطىء. ولٰكن هل نجح في ذٰلك؟ لقد أسكت الجميع، وعلى قدر ما أسكت ذاع صيته.
سؤال ضميري: ألا يذكّرنا هٰذا الصّمت في صمت مار شربل، وعلى قدر ما صمت في كلّ حياته ذاع صيته في العالم أجمع؟
القصد العمليّ لهٰذا الإسبوع هو الصّمت للتّأمل وسماع همسات الرّوح القدس لكي نعمل إرادة الله لتظهر قدرته فينا. بٱسم الآب والابن والرّوح القدس. آمين.
                             
                                                                                                           صوم مبارك